
وجدت كوثر الهريش في عالم الأزياء طريقة لرواية القصص، وقدمت تصاميمها للسيدة الجريئة التي تبحث عن إطلالة جريئة يزينها سحر الألوان
يمكن أن تغيّر الألوان منظورنا للحياة، وبالنسبة للمصممة كوثر الهريش، مؤسسة علامة كاف باي كاف، التي ولدت في الرياض وسط بيئة صحراوية، كانت الألوان بمثابة النافذة التي رسمت لها مهرباً إبداعياً. تقول كوثر: «لم يكن دخولي إلى عالم الأزياء إلا صدفة، كنت أحب الأزياء ولكنني لم أكن أعرف أنني أملك الموهبة. وعندما يتفاجأ من حولي بتصميم أنتجته لا يعرفون أنني متفاجأه مثلهم تماماً، فلم أكن أعي قدرتي في هذا المجال»

ولدت كوثر الهريش لعائلة أكاديمية، ولكن ذلك لم يكن طريقاها الذي حلمت به، إذ تقول “تخصصت أمي في الكيمياء، ودرس والدي الهندسة، وقد سلك أشقائي الطريق الأكاديمي، كما كان متوقعاً مني أن أسلك الطريق ذاته، كانت شقيقاتي متفوقات في الدراسة على عكسي تماماً، وعلى الرغم من أن عائلتي لا يفهمون اختياراتي أو توجهي الإبداعي في معظم الأحيان إلا أنهم قدموا لي الدعم الكافي للتعبير عنه».
لم تجد كوثر في تصميم الأزياء توجهاً مهنياً يمكن أن تسلكه، إذ تقول: «خلال نشأتي في الرياض لم أرَ وجوداً لتصميم الأزياء كمهنة، كان اهتمامي في هذا المجال ينحصر في تنسيق إطلالاتي وقد كانت اختياراتي تفاجئ من حولي إلا أنهم يتقبلونها دون أي استنكار»

درست كوثر الهريش الهندسة المعمارية ولكنها وجدت طريقها إلى عالم الأزياء عندما أسست علامة كاف باي كاف في 2019لتقدم فيها التصاميم الأنيقة من المعاطف والسترات الطويلة التي يمكن أن تُلبس كعباية، ومن الأزياء الجاهزة التي تمتاز بالجرأة والاختلاف، وتقول: «عندما أسست العلامة لم أكن أعتقد أن القطع الملونة ستجد نجاحاً في مجتمعنا، ولكنني فوجئت عندما وجدتها من أكثر القطع مبيعاً. تلجأ السيدات إلى هذه العلامة بحثاً عن الألوان وعن القطع الجريئة». ولكن هذه العلامة لم تكن المتنفس الإبداعي الكافي بالنسبة إلى كوثر التي أطلقت علامة أرت باي كاف في 2021وتقول عنها: “كاف باي كاف هي شخصيتي التي تظهر للجميع، ولكن Art-by-Kaf هي شخصيتي الداخلية».
تعترف كوثر الهريش أن مشاعرها وتفاصيل حياتها اليومية هي ما يرسم تصاميمها في علامة أرت باي كاف، تماماً كما كانت ترسم اختياراتها في تنسيق الأزياء في السابق، فهي تروي بها قصص وترسم بها صوراً مختلفة بطريقة إبداعية يمكن أن تصل إلى المتلقي، وقد لا تصل إليه أحياناً. توضح بشغف: «أعرف أن هذا النوع من التصميم Avant-garde قد لا يجد جمهوره في السعودية أو الوطن العربي، فالإنسان عدو ما يجهل وهذا ما واجهته عندما أطلقت العلامة، لا أتوقع أن أتمكن من إقناع الناس بهذه التصاميم، ولكنني أطمح أن يقدرون ما تحمله من مستوى عالٍ من الحرفية»

في انطلاقة علامة أرت باي كاف، صوّرت المصممة السعودية المبدعة كوثر الهريش تقَدم المرأة في المجتمع وتمكينها من خلال مجموعة أطلقت عليها اسم The Reborn وتقول عنها: «يمثل غطاء الرأس في هذه التصاميم صورة النساء المتطابقة في السابق، كانت كلّ منا تشبه الأخرى، ولكننا تحت هذا الغطاء مختلفات تماماً وتحمل كلّ منها عمقاً مختلفاً. يمكن أن تلاحظين التشابه في غطاء الرأس في هذه المجموعة ولكن كل تصميم يختلف عن الآخر في لونه وحتى في شكل العقدة».

كُلّفت كوثر الهريش بتقديم تصميم يصور الحضارة السعودية لمعرض 100 براند سعودي الذي أقامته هيئة الأزياء التابعة لوزارة الثقافة في نهاية العام الماضي فقدمت تصميم يحمل اسم “فستان حائل”، تقول عنه: «طلبت منّا هيئة الأزياء أن نقدم تصميماً يصور تاريخنا، ومع أنني نشأت في الرياض، إلا أن تاريخ عائلتي يعود إلى حائل”، أيقظ هذا المطلب مشاعر الانتماء إلى الوطن، ولأن كوثر لم تكن تتردد على حائل كثيراً، قررت أن ترسمها كما تراها في الخيال. «أعرف حائل وأعرف إرثها وعادات أهلها وكل ما فيها، عُرفت المدينة بالكرم وقد رسمت في خيالي فستاناً بأكمام واسعة وتنورة واسعة حتى يصور هذا العطاء والترحاب، كانت تلك بذرة البداية. عدت بعد ذلك إلى تاريخ المدينة وإرثها واكتشفت أن تاريخ تلك المنطقة يعود إلى ما قبل الميلاد وبناء على ذلك أردت أن أقدم تصميماً مستوحى من العصور التاريخية، وجاء اختيار اللون الذهبي العتيق في النقوش الظاهرة على الفستان تجسيداً لهذا التاريخ العريق، وانتقالاً إلى التطريز، تصورت حقول الخزامى في شمال حائل وهذا ما رسم شكل التطريز ولونه، وبسبب اختلاف التاريخ في المنطقة استخدمنا 12 لون خرز في التطريز بما يزيد عن نصف مليون خرزة في الفستان نفسه .لم يحمل هذا الفستان أي عنصر عشوائي، فقد مرّ بمراحل من البحث والتصميم والتنفيذ حتى يظهر كما ظهر في المعرض».
كل تصميم يصدر عن علامة أرت باي كاف هو تصميم يروي قصة معيّنة، ومثل ما روى فستان حائل قصة هذه المدينة وصوّر تاريخها العريق، جاء تصميم “محاربة نجد” الذي قدّمته المصممة في كأس السعودية 2022 ليصور قوّة المرأة. تقول عنه: «قد لا تظهر قوّة المرأة كقوة جسدية، أردت أن أقدم تصميم محاربة نجد لأجسد القوة المعنوية التي تحملها المرأة، والتي قد تساوي القوة الجسدية للرجل أو تفوقها، فهي فعلاً محاربه. استوحي التصميم من الزي النجدي للرجال وهو المرودن وأضفنا إليه الخنجر العتيق».
وتسيّر كوثر مشاعرها في الوقت الحالي، فالقصة التالية ستأتي على شكل فستان زفافها – أو أكثر من فستان: “فستان واحد لا يمكن أن يحمل الأفكار الكثيرة التي تتزاحم في عقلي لإطلالة يوم الزفاف، لذلك قررت أن أرتدي فستانين، كلاهما من إنتاج علامة أرت باي كاف”.
ترى المصممة السعودية المبدعة أن فستان زفافها يمكن أن يكون إرثاً تحتفظ به طوال العمر، لذلك لن توفر أي جهد حتى يظهر التصميم على أكمل وجه، وتقول: «أحب التصاميم الكلاسيكية، وأرى فستان زفافي يحمل تفاصيلاً لا نهائية، لدرجة أن العاملات على التطريز يحذرونني من ثقل وزن الفستان ولكنني لا أهتم فأنا سأرتديه لوقت قصير ولكني سأحتفظ به طول العمر»

كانت بداية كاف باي كاف في عالم الأزياء قبل ثلاثة سنوات تقريباً، وهي اليوم واحدة من علامات الأزياء المحلية التي ترسم ملامح الثقافة السعودية وتساهم في تأسيس صناعة الأزياء، تقول كوثر: «أُسأل دائماً عن تصوري للعلامة في المستقبل، ولكنني لم أكن أتوقع قبل ثلاث سنوات من الآن أن أقف هنا اليوم فعلامة تباع في عدد من المتاجر على الصعيد العربي والعالمي، وتمثل أرت باي كاف الوطن في محافل كبرى، لذلك لا يمكن أن أتصور المستقبل، ولكن يمكن أن أطمح للأفضل»